وقعت في الزنا، ماذا أفعل؟

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاةٌ مطلقةٌ، ولديَّ أطفالٌ، وأنا نادمةٌ، ولا أعرفُ كيف أُصلح خطئي،   لقد وقعتُ في الزنا مرتين بعد طلاقي بسنةٍ ونصف، وأنا نادمةٌ جداً، وعشتُ حياةً صعبة منذُ صغري، وأهلي كانوا يستخدمون العنفَ معي، وعندما تزوجتُ أيضاً زوجي كان يستعملُ العنفَ معي ومع أطفالي، والآن أنا وحيدةٌ مع أطفالي، ودائماً أتمنَّى داخل نفسي أن أتزوج رجلاً محباً وحنوناً؛ لأنني أشعرُ بأنني أحتاجُ إلى حنان، فأنا لديَّ مسؤوليات كثيرة، ولا يوجدُ لديَّ شخصٌ يُساعدني بها، لذلك السبب وقعتُ في الزنا، ولكن بعد ذلك أشعرُ بتأنيبِ الضميرِ، والآن أنا لديَّ كآبة، وأكرهُ كل جنسِ آدم، وأحاولُ أن أنتقمَ بعض الأحيان. أرجوكم ساعدوني، أرشدوني ماذا أفعل؟.

المستشار: د.أحمد الحسن

الأخت الفاضلة: حفظكِ الله ورعاك، وجعل الجنة مثوانا ومثواك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بدايةً نشكركِ لثقتكِ بنا، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون سبباً في حلِّ مشكلتكِ، ونسأل الله أن يشرح صدرك لطاعته.

أمَّا بالنسبةِ لاستشارتكِ فجوابي في نقاط:

أولاً : اعلمي -أختاه- أنَّ رحمة الله عزَّ وجل وسعت كل شيء، وإحسانه على خلقهِ كبير، ومن ذلك أنَّه سبحانه فتحَ الباب للتائبين، وقبِلَ ندمَ النادمين، ولم يقنطهم من رحمته، واسمعي لهذا الحديث فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لله أشد ُّفرحاً بتوبةِ عبده حين يتوبُ إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها –قد أيس من راحلته– فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك –أخطأ من شدة الفرح– سبحان الله)) متفق عليه.

– وقد ثبت في الحديثِ الصحيح أنَّ رجلاً قتل مائة رجل، ولم يعمل خيراً قط، لكنَّه ندمَ وتابَ فقبل الله توبته، فالمؤمنُ لا يقطعُ الأمل من الله، واسمعي لربكِ وهو يخاطبكِ، يقول الله عز وجل: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}.

– والتوبة الصادقة المشتملة على شروطها، من الإقلاع عن هذه الجريمة إقلاعاً تاماً، والندم على ما فات، والعزم على عدم العودة إليها مطلقاً، ومن فعلَ ذلك فقد تابَ إلى الله تعالى، ومن تابَ تابَ اللهُ عليه، وقبله، وبدلَ سيئاته حسنات، كما قال سبحانه: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: 104].

– وقال سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان: 68-70]، وجاء في سبب نزولها: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا وَأَكْثَرُوا وَزَنَوْا وَأَكْثَرُوا، فَأَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ، لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً، فَنَزَل: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} وَنَزَلَتْ: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [متفق عليه].

– فمن وقعَ في الزنا فليبادر بالتوبةِ إلى تعالى، وليستتر بستره، فلا يفضح نفسه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عز وجل عنها، فمن ألم فليستتر بستر الله عزَّ وجل)) رواه البيهقي.

– ومن أعظم المبشرات الدالةِ على مغفرةِ الله لك -أختاه- ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يستر الله على عبدٍ في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة)) صحيح مسلم، افرحي -أختي- أنَّ لك رباً غفوراً رحيماً حليماً، يقبل توبة العبدِ بعد الإسراف في المعاصي، فيتوبُ عليه ولا يُبالي، بل ويُبدل سيئاته حسنات، أليس هو الذي نادى عباده قائلا: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53].

ثانياً: عليكِ أن تغيري من هذهِ النظرةَ السواداوية للحياة، فالناس صنفان: صالحون وطالحون، فليس وقوعكِ في فخِّ الطالحين يعني أنَّه لا يوجد صالحون، بل عليك أن تسعي بالطرقِ المشروعةِ للزواج من رجلٍ صالحٍ ما دمتِ قد تبتِ توبةً صادقة بدليل قولك: (ولكن بعد ذلك أشعرُ بتأنيب الضمير) وهذا هو الندم، أقول من حقك أن تتزوجي، ولا يشترط أن تخبري الزوج بالخطيئة التي وقعتِ فيها؛ لأنَّ الشرع الحنيف أمرنا بالستر.

– نحن في أمورنا كلها لا نتبع الهوى أو الغضب، بل نتبع ما جاء في الكتاب العزيز والسنة المطهرة، فقولك: (وأحاول أن أنتقم بعض الأحيان) مخالفٌ لمنهجِ المسلم في الحياة.

ثالثاً: أختم استشارتي بنصائحَ عامة، وأرى أنَّها هامة:

1/ أكثري من الأعمالِ الصالحة، وقراءةِ القرآن بتدبُّر -يشرَح اللهُ صدْرَكِ- لتُدْرِكي سَعَةَ رحمةِ ربِّ العالمينَ بعبادِه، فبِذِكْر آيات الرحمة تطمئنُّ النفسُ، ويسكُنُ القلبُ إلى ذِكْر اللهِ، ويحصُلُ له الفرَحُ فيَلِين؛ كما قال الرحمنُ الرحيمُ: ﴿اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ [الزمر: 23]، ففرِّي إلى اللهِ تعالى الذي يبْسُط يدَه بالليل؛ لِيَتوبَ مُسيءُ النهارِ، ويبسُط يدَه بالنهارِ؛ ليتوبَ مُسيء الليلِ، حتى تطلُعَ الشمسُ مِن مَغْرِبها؛ كما رواه مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

2/ تعرَّضي لفضلِ الله ورحمتِه ووعدِه الذي لا يُخْلَف؛ فهو -سبحانه- أرْحَمُ الراحمينَ، وخيرُ الغافِرينَ، وخيرُ الفاتحينَ، وخيرُ الناصِرينَ، وأحْسَنُ الخالِقينَ، وهو نِعْمَ الوكيلُ، ونِعْمَ المولى ونِعْمَ النَّصيرُ، وهذا يقتضي حمدًا مُطلَقًا على ذلك، وأنَّه كافٍ مَن توكَّل عليه، وأنه يتوَلَّى عبدَه تولِّيًا حسنًا، ويَنْصُره نصرًا عزيزًا، وذلك يقتضي أنه أفضلُ وأكملُ مِن كلِّ ما سواه، وهو -سبحانه- سميعٌ قريبٌ؛ قال اللهُ تعالى: ﴿قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ﴾ [سبأ:50]، وهو تعالى رحيمٌ وَدُودٌ، و”الودُّ”: اللُّطْفُ والمحبَّةُ؛ فهو يودُّ عبادَه المؤمنينَ، ويجعل لهم الودَّ في القلوبِ؛ كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾[مريم: 96]، قال ابنُ عباسٍ وغيرُه: “يحبهم، ويحبِّبهم إلى عِبادِه”.

فمغفرةُ الله -عزَّ وجل- ورحمتُه أوْسَعُ مِنْ غضَبِه؛ ولذلك لا يُنزِل عِقابَه ابتداءً، وإنما يَسْتَعْمِلُ رحمتَه -سبحانه وتعالى- ويَهْدِيها عبادَه أولًا، ولمَّا خَلَق اللهُ الخلْقَ كتَبَ في كتابٍ -فهو عنده فوق العرشِ-: ((إنَّ رحمتي تَغلِبُ غضَبي))، وهو حديثٌ شريفٌ، رُوِيَ في صحيح البخاريِّ ومسلم، وفي رواية: ((غَلَبتْ غضبي))، وفي رواية: ((سَبَقتْ غضبي)).

وفيهما أيضًا عن عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- قال: قَدِم رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بسَبْيٍ، فإذا امرأةٌ مِنَ السبْيِ تسعى؛ إذْ وَجَدَتْ صَبيًّا في السَّبْيِ، أخذتْهُ فألزقتْهُ ببطنِها، فأرضعَتْهُ! فقال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((أتَرَوْنَ هذه المرأةَ طارحةً ولدَها في النار؟))، قلنا: لا والله، فقال: ((للهُ أرحمُ بعبادِه مِنْ هذه بولَدِها))، فبَيَّن أنَّ اللهَ أرْحَمُ بعِبادِه مِنْ أرْحَمِ الوالداتِ بوَلَدِها، فإنه مَنْ جَعَلَها رحيمةً أرحمُ منها.

وفي الصحيحين، عن أبي هريرة، عنِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فيما يَحكِي عن ربِّه -عزَّ وجل- قال: ((أذْنَبَ عبدٌ ذنبًا، فقال: اللَّهُمَّ اغفرْ لي ذنبي، فقال اللهُ -تبارَك وتعالى-: أذْنَبَ عبدي ذنبًا، فعَلِمَ أنَّ له ربًّا يغْفِرُ الذَّنْبَ، ويأخذُ بالذَّنْبِ، ثم عاد فأذْنَبَ، فقال: أَيْ ربِّ، اغفِرْ لي ذنبي، فقال -تبارَك وتعالى-: أذْنَب عبدي ذنبًا، فعَلِم أنَّ له ربًّا، يغْفِرُ الذنْبَ، ويأخُذُ بالذنبِ، قد غَفَرْتُ لِعَبْدِي، فلْيَفْعَل ما شاء)) [متَّفَق عليه].

وعن أبي هريرة، قال: قال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((والذي نفسي بيَدِه، لو لم تُذْنِبوا لَذَهَبَ اللهُ بكم، وجاء بقَوْمٍ يُذنبون، فيستغفرون الله تعالى، فيَغْفِر لهم)) [رواه مسلمٌ].

3/ أدمني ذِكْر الله؛ فذكرُ الله تعالى هو الفرجُ بعد الشدة، واليسرُ بعد العسر، والفرَجُ بعد الغمِّ والهم، ويُذهِبُ عن القلب مخاوفَه كلَّها، وله تأثيرٌ عجيبٌ في حصولِ الأمن، فليسَ للخائفِ الذي قد اشتدَّ خوفه أنفعُ من ذكر الله -عزَّ وجل- إذ بحَسَبِ ذكرِه يجدُ الأمن، ويزولُ خوفه، حتى كأن المخاوفَ التي يجدُها أمان له، والغافل خائف مع أمنِه، حتى كأنَّ ما هو فيه من الأمن كلُّه مخاوفٌ، ومن له أدنى حسٍّ قد جَرَّب هذا، وهذا ما قاله ابن قيم الجوزية في كتابه: “الوابل الصيب من الكلم الطيب”؛ وأنصحُكِ باقتناء الكتاب. والسلام عليكم ورحمة الله.

المصدر: موقع راف

اضف تعليق