الغرب يتراجع عن الاختلاط في التعليم

د. عيسى بن خليفة السويدي

كدولة نامية، نحتاج دوما إلى تجارب الدول المتطورة للإستفادة منها في تحديث مجتمعنا. وحتى نحقق ما نصبوا إليه ينبغي علينا أخذ الحيطة عند نقل التجارب من الدول الأخرى ذلك لأن هذه الدول المتطورة لا تخلو من أنظمة فاشلة بخاصة إذا كان الأمر يتعلق بالتعليم. فالتعليم المدرسي لديهم فيه الغث وفيه الثمين وبالتالي يجب عدم الهرولة إليه قبل التأكد من صلاحيته لنا. ومما يسهل علينا عملية التقييم والإختيار هو أن اغلب هذه التجارب قد خضعت لنقد علمي وموضوعي من قبل الخبراء المختصين والشفافية الغربية تتيح لنا الإطلاع بسهولة على ما كتبه النقاد حول كل تجربة.
الموضوع الذي بين أيدينا، (الإختلاط في المدارس) مثالاً حياً لما نتحدث عنه. الغرب يعتبر أن الإختلاط بين المراهقين في المدارس يمثل تطبيقا عمليا لمُثل وقيم الليبرالية التي لا يمكنهم التنازل عنها ولكن بعد عقود من التجريب بدأت تتكشف عيوب ومثالب الإختلاط بين المراهقين في المدارس الغربية. المؤسف أن الغرب بدأ يشتكى من الإختلاط ومع ذلك يصر الليبراليون من أبناء جلدتنا ومن يستمع إليهم على أن الإختلاط بين المراهقين مظهر من مظاهر التقدم.
سنناقش في هذا المقال الإختلاط في المدارس الثانوية الغربية وما نتج عنها من مشكلات سلوكية وتعليمية وكيف بدأ الغرب في تغيير نظرته تجاه الإختلاط في المدارس. كذلك سنعرج في هذا المقال إلى بعض الجوانب السلبية والإيجابية في التعليم المدرسي في الغرب.
ماذا نتج عن الإختلاط في المدارس الثانوية الغربية؟ :
إستفاق الغرب بعد عقود من الزمن على أمر وهو أن الإختلاط في مدارس المراهقين يمثل كارثة سلوكية وتعليمية وذلك على إثر الدراسات والأبحاث الميدانية التي أجريت بغرض تقييم فكرة الإختلاط. وفيما يلي نرصد جانب من نتائج هذه الدراسات التي أعدتها مراكز بحثية متخصصة في أوروبا وأمريكا وسنصنف الآثار على سلوكية وتعليمية.
الآثار السلوكية للإختلاط في المدارس:
من أبرز الظواهر السلبية للإختلاط بين الجنسين في المدارس الثانوية التحرش الجنسي والعلاقات الجنسية غير الشرعية بين الطلاب والطالبات. وقد تزايدت هذه الحالات حتى أصبحت ظاهرة إجتماعية وصحية خطيرة تهدد نسيج المجتمع ككل.
فالولايات المتحدة الأمريكية مثلاً تعتبر من أعلى دول العالم في نسبة عدد الطلاب الذين يمارسون العلاقة الجنسية غير الشرعية في المرحلة الإعدادية والثانوية حيث تشير أرقام الحملة الوطنية لمكافحة الحمل عند المراهقين National Campaign To Prevent Teen Pregnancy إلى أن ما نسبته 14% من طالبات المرحلة الثانوية يتعرضن للحمل غير الشرعي سنويا وأن هناك ما لا يقل عن 750 ألف حالة حمل غير شرعي سنويا عند المراهقات وتصرف الحكومة الأمريكية 7 مليارات دولار سنويا للتعامل مع هذه المشكلة.
الآثار السلبية للإختلاط على التحصيل التعليمي:
مشكلات الإختلاط بين الجنسين في المدارس ليست إجتماعية وصحية فقط إنما تعليمية أيضا. فهناك دراسات علمية تشير إلى أن الإختلاط يؤثر سلباً على التحصيل الأكاديمي في المدرسة. ففي دراسة أجريت في أستراليا على 270 ألف طالب أسترالي تبين أن متوسط مستوى التحصيل الأكاديمي عند الطلاب في المدارس غير المختلطة أعلى بنسبة تتراوح بين 15 إلى 22 %. أما في بريطانيا، فقد أجريت دراسة عام 2002 لمقارنة مستوى تحصيل الطلاب في المدارس المختلطة والمدارس غير المختلطة تبين منها أن كلا الجنسين كانت نتائجه أفضل في المدارس غير المختلطة. وهي نفس النتيجة التي توصل إليها فريق من جامعة كامبريدج البريطانية حيث خلصت الدراسة إلى أن فصل البنين عن البنات يؤدي إلى إرتفاع معدل التحصيل عند الجنسين.
رأي طبي في التعليم غير المختلط:
ومن المثير للاهتمام أن الطب أيضاً يفضّل أن يكون تدريس البنين مستقلاً عن البنات حيث تشير بعض الدراسات الطبية إلى أن هناك إختلاف فسيولوجي بين تركيب جسم الذكر والأنثى يجعل عملية التعلم تختلف عند الطرفين. وجد أن نمو أجزاء الدماغ المتعلقة باللغة تكون أسرع عند الإناث من الذكور في حين أن الأجزاء المتعلقة بالحساب تنمو عند الذكور أسرع.
هذه المعلومة تعني أن أي نظام تعليمي لا يراعي هذه الخصوصية سيخرّج طالبات لا يحسن الحساب وطلاب لا يحسنون اللغة وللمزيد من المعلومات حول مثل هذه الفروق يمكن زيارة موقع: www.singlesexschools.org. وفي دراسة تحليلية أخرى لأسباب تفوق الطلاب والطالبات في المدارس غير المختلطة تشير نتائج الدراسة إلى أن اغلب الطلاب والطالبات يشعر بإرتياح اكبر بالتفاعل مع جنسه.
منهجية الغرب في التغيير التربوي:
ما لفت إنتباهي وأثار إعجابي، ليس كون الغرب بدء يتبنى بعض أفكارنا كفكرة الفصل بين المراهقين في المدرسة إنما منهجيتهم في التحول من الإختلاط إلى الفصل بين الجنسين. عندما يثبت في الغرب أن قانون ما أصبح ضرره أكبر من نفعه يتحرك المجتمع ككل للضغط بإتجاه تغيير القانون. فمراكز البحث تعمل من أجل إثبات خطأ القانون ومن ثم تتبنى وسائل الإعلام الحرة نشر الرأي الصحيح حول القانون ويتحول الأمر بعد ذلك إلى تعبئة شعبية تضغط على المشرع لتغيير القرار. عندما يشعر صانع القرار أن هناك مطلب شعبي مبرر لا يتردد في تغيير القرار. هذا ما حدث بالضبط في الولايات المتحدة الأمريكية حيث بدأت الكنيسة منذ عقود تحتج على إختلاط المراهقين في المدارس وعندما يئست من تغيير القانون لأنها لم تملك الأغلبية لجأت إلى فتح مدارسها الخاصة غير المختلطة. ومع مرور الزمن بدأت سلبيات الإختلاط تظهر وأخذ المختصون يدرسون ظاهرة الإختلاط ونشر سلبياتها في وسائل الإعلام والتبشير بالفوائد الإجتماعية والتعليمية للمدارس غير المختلطة وبدأت تتشكل مؤسسات مجتمع مدني قوية تسوق لفكرة الفصل بين الطلاب في المدارس وعلى رأس هذه المؤسسات Single Sex Education التي عملت على توعية المجتمع الأمريكي بالفكرة مما أدى ، كالعادة، إلى بروز أصوات ليبرالية معارضه لهم لكن هذه الأصوات لم تثنهم عن مطلبهم بل استمر السجال ما يقارب 10 سنوات حتى حسمه الرئيس جورج بوش عام 2006 بإصداره لقانون يسمح بفتح مدارس حكومية غير مختلطة.
فشل آخر في نظام التعليم الغربي:
تعاني المدارس الغربية من فشل ذريع في التعامل مع الطلاب المراهقين. ويعترف الغربيون أنهم فشلوا في تحقيق ما يهدفون إليه من التعليم الثانوي بسبب إنشغالهم بمعالجة مظاهر العنف والإنحرافات السلوكية داخل المدارس الثانوية. بل أصبح الطالب والمعلم لا يشعر بالأمان داخل المدرسة وهذا ولله الحمد لا نجده في مدارسنا. يذكر لي أحدهم انه اشترك مع وفد لزيارة بعض المدارس الأمريكية وقد سألهم مدير إحدى هذه المدارس عن سبب زيارتهم فقال الوفد أنهم هنا ليستفيدوا من تجربة التعليم في أمريكا فسألهم إذا كانت لديهم مخدرات في المدارس أو أسلحة أو تحرش جنسي قالوا لا قال إذن نحتاج نحن أن نستفيد من تجربتكم.
ولوضعك عزيزي القارئ في صورة حقيقة لما يحدث في بعض المدارس الثانوية الأمريكية أعرض عليك ومن دون تعليق بعض الإحصائيات التي صدرت عام 2004 عن المركز الوطني للأمان المدرسي National School Safety Center في الولايات المتحدة الأمريكية:
· 22 من كل 1000 طالب تعرض لإعتداء جسدي عنيف في المدرسة.
· 33 من كل 1000 طالب تعرض لسرقة في المدرسة.
· 4% من الطلاب احتسى مسكرات في المدرسة.
· 6% يحملون نوع من الأسلحة في المدرسة.
· 10 % من المعلمين تلقى تهديدا بالإعتداء في مدارس المدن الأمريكية الكبرى.
· 25% من الطلاب عرض عليهم مواد مخدرة في المدرسة.
· 5% من الطلاب دخن مواد مخدرة في المدرسة.
· 16% من الطلاب فكر جدياً بالإنتحار.
· 25% من الطلاب أعضاء في إحدى العصابات.
· 48 حالة قتل حدثت في مدارس أمريكا عام 2005.
إيجابية يمكن الإستفادة منها:
للإنصاف نقول أن هناك الكثير مما يمكن الإستفادة منه في نظام التعليم الغربي بخاصة خبراتهم وتجاربهم الناجحة في تدريس مرحلتي رياض الأطفال والإبتدائية. المتابع للتعليم الغربي في هاتين المرحلتين يلمس الكثير من الإحتراف المبدع. وأكثر ما أعجبني، الحرفية العالية في التعامل مع الطفل وطريقة تعليمه وتوجيهه وتحفيزه. غرفة الصف عبارة عن ورشة من الإبداع التربوي تجلب المتعة إلى الكبير قبل الصغير. والأهم من هذا أن الطفل يتخرج من هذا النوع من المدارس وقد اكتسب بالفعل ما هو مخطط له من مهارات وقيّم سلوكية فما نراه من وسائل تعليمية وطرق تدريس مبتكرة ليس استعراضاً أمام الزائر إنما وسائل تستخدم بفعالية في عمليتي التعليم والتعلم.
هذه الصورة الجميلة التي أوردتها عن التعليم الغربي موجودة هنا في دولة الإمارات ومطبقة عمليا على يد معلمات عربيات سنحت لهن الفرصة أن يستفدن من التجربة الغربية وأن يتعلمن طرائق التدريس الغربية الحديثة. ما أردت التأكيد عليه هو أن التجربة التربوية الغربية في تدريس الأطفال ثرية ويمكن الإستفادة منها وأن الصورة السلبية التي رسمناها عن التعليم الثانوي أمر لا علاقة لها بالتعليم في مرحلتي الروضة والإبتدائي أي أن هناك ما هو سلبي وما هو إيجابي في التعليم الغربي وما علينا إلا إختيار ما هو مفيد لنا.
دروس مستفادة:
سيبقى الغرب مصدر ثري من مصادر التجربة البشرية التي لا يضيرنا كعرب وكمسلمين أن نستفيد منها فالحكمة ضالة المؤمن أنا وجدها فهو أحق الناس بها. الغرب فيه النافع وفيه الضار وما علينا إلا أن نأخذ ما ينفعنا وأن نترك ما نعتقد أنه سيضرنا. ومن جملة ما يمكن أن نستفيده من الغرب هو منهجيتهم في التغيير وصنع القرار. وأعتقد أن منهجيتهم في التعامل مع الأختلاط في المدارس هي منهجية سلمية في التغيير تستحق الإشادة.

المصدر : موقع دار السلام

اضف تعليق